منذ أن انطلق ربيع الثورات العربية كما دعاها البعض وصُفّق لها وهلل، وحتى هذا التاريخ لم يخرج تلك الربيع ولم يتفتق عن براعمه، إذا كان قد تبرعم بالأصل! ولم يزل خريفاً موحشاً في بيداء خاوية تتساقط فيه شعارات تلك الثورات على قارعة الأحلام المزعومة، ولم يفرّق الذي ناهضوا تلك الثورات ووقفوا وراءها ودعموها وشجعوا عليها وحاولوا تصديرها إلى مناطق أخرى بين تربة كل بلد من البلدان التي قام بها بعض الناس المطالبين بمطالب محقة، وبين الذين ركبوا موجة تلك التظاهرات يريدون تصدير العنف وبث الفوضى وخلق الفتن وإثارتها بين أبناء البلد الواحد.
من خلال قراءتنا البسيطة لتاريخ الثورات العربية والانتفاضات منذ القرن التاسع عشر مروراً بالاستقلال وانتهاءً بما يجري الآن، لايستطيع أي قارئ للأحداث إسقاط أي ثورة أو انتفاضة أو احتجاج يجري الآن في الوطن العربي ولا على ثورة واحدة حدثت في تاريخنا العربي، لابتعاد ما يجري في الساحة العربية كلياً عن مفهوم الثورة وأهدافها ومضمونها وشعاراتها ومنج الثورة الفعلي، وكل ما يجري في وطننا العربي ما هو إلا تصدير للفوضى الخلاقة التي ابتدعتها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تريدنا أن نستورد نموذجها الديمقراطي التي أدخلته للعراق، وتريدنا أن نغير حتى مناهجنا المدرسية وخاصة الدينية والجغرافية منها.
وفيما أعتقده أن عمر هذه الثورات سيمتد وينتقل من مكان لآخر حتى تهويد القدس وإعلانها عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب، وحتى الإجهاز والإكمال على السيطرة التامة على النفط الليبي، وتوقيع عقود الشركات التي ستتولى عملية إصلاح ما دمرته قوات الناتو من جهة والثوار من جهة أخرى.
أليس من حق المواطن العربي أن يتساءل عن علاقة فيلتمان وأتباعه بالثورات العربية، وما علاقة تركيا وفرنسا بالإصلاح في سوريا؟ حرصهم على لقمة الشعب، أم على مصالح بلدانهم؟ وما دوافع السفير الأمريكي لزيارة مدينة حماه؟ وأعتقد أنها أسئلة لاتحتاج لكثير من العناء لإيجاد أجوبة لها.
حق المواطن العربي الحر الشريف أن يتساءل عن المدى التي وصلت له وحققته الثورات العربية في مصر وتونس من أهدافها القريبة حتى الآن؟ وماذا ستحقق في ليبيا واليمن وسوريا وبقية أقطار الوطن العربي؟
قامت الثورة في مصر وسقط الحاكم وبقي النظام، ومازالت ساحة التحرير تعج بالمتظاهرين ؟ وتغيرت أسماء شوارع كثيرة! ومزقت صور كثيرة، فهل هذا من أهداف الثورة، وهل يخدم هذا مصلحة الثورة والشعب المصري؟
ما يحدث الآن في ليبيا من حرق وتدمير لبنيتها التحتية وقتل الآمنين من شعبها كما دمرت وحرقت العراق، لم يكن الهدف منه إسقاط النظام، بقدر ماكان فتح مسارات أمام الشركات الأجنبية للدخول والاستثمار، وسوف تأتي أنظمة أكثر عمالة للغرب.
كلنا مع الدولة مسؤولون عن محاربة الفساد واجتثاث جذوره، وكلنا مع الإصلاح والتغيير، لكن ليس على حساب استقرار وأمن بلداننا وتجزئتها وتفتيها، أو على حساب الشعب، ولنكن أكثر وعياً لم يطبخ ويحاك لنا في الخارج، وأكثر قراءة لم جرى ويجري في وطننا العربي.
لا أذكر مرة نصرنا فيها الغرب وقدم لنا الخير، ولا أذكر مرة ساعدتنا المنظمات الدولية على استرداد حقوقنا حتى على المستوى السياسي، إلا اللهم إذا كان في ذلك فائدة ومصلحة لها، وما يحدث الآن في الوطن العربي هو نفس الواقع الذي عاشه الوطن العربي في الحرب العالمية الأولى واندلاع الثورة العربية الكبرى واندفاع الغرب الممثل بفرنسا وبريطانيا آنذاك لمساعدة العرب للتخلص من الاستعمار العثماني، في الوقت الذي كانت فيه سايكس بيكو مرسومة وجاهزة، هكذا نحن أيها الأخوة العرب نصحو متأخرين ويا للأسف.
إن ما يثير الاستغراب اقتناع البعض بهذه الثورات، وما يثير الدهشة أن بعض قنوات الإعلام، إعلام التضليل والتلفيق كانت جزءاً مهماً في تسويق ما يريده الغرب لنا ويرسمه ويخطط له، وربما صدقت بعض تلك القنوات من أوهم لها ووشى في آذان مسؤوليها أنهم قادرون على صنع الثورة وتصديرها وإشعالها في أي مكان وبأي زمان!
فأي ثورة هي تلك التي يقودها "الفيس بوك والتويتر والغرف السوداء" وما شابه ذلك يقودها حفنة من الرعاع وتجار الدماء، إنها حقيقة ولادة قيصرية لحمل كاذب.