Admin Admin
عدد المساهمات : 2509 تاريخ التسجيل : 09/10/2009
| موضوع: نظرة الاسلام الى مقياس الأعمال الجمعة ديسمبر 14, 2012 6:56 am | |
|
5- نظرة الإسلام إلى مقياس الأعمال:- بينما جعلت الرأسمالية المنفعة مقياساً لتقييم أعمال الإنسان كلها ، فصار العمل حسناً عندما يحقق المنفعة لصاحبه، وقبيحاً إذا أدى إلى عكس ذلك، وبينما جعلت الاشتراكية التطور مقياساً لأعمال الإنسان فصار التطور هو المقياس ، وبالتالي أدت إلى إلغاء فكرة المقياس ، إذ المعروف لدى كل عاقل أن الأصل في المقياس أن يكون ثابتاً وواضحاً لدى كل إنسان، لا متغيراً بين الفينة والأخ رى كما في مقياس الشيوعية ، التي جعلت مقياسها نفسه خاضعاً للتطور، فمقياسهم اليوم هو غير مقياسهم بالأمس، وما يرونه حسناً اليوم يرونه قبيحاً غداً . أقول بينما كانت هذه هي مقاييس المبدأين الآخرين ، جاء الإسلام ووضع المقياس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو الكفيل بضمان السعادة والطمأنينة للإنسان ، ألا وهو " الحلال والحرام " . ومقياس الحلال والحرام يعني بكل بساطة أن العمل الذي أمر الله به أو أباحه حسن، وأن العمل الذي حرّمه قبيح، وبالتالي فلا اختلاف أو شجار بين الناس ، فالمقياس واحد ، ودائم لكل زمان ومكان ، وما هو حسن قبل ألف عام، هو حسن اليوم ، وحسن بعد ألف عام أو ملايين الأعوام. يقول تعالى في سورة الحشر ﴿ وما آتاكـم الرسول فخذوه وما نهاكـم عنه فانتهوا ﴾ ويقول تعالى في سورة الطلاق ﴿ ذلك أمر الله أنزله إليك ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته﴾ ويقول- صلى الله عليه وسلم- " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ". من هنا يتضح أن الإسلام جعل العمل حسناً إن كان مما أقره الله ، وقبيحاً إن كان مما حرمه ، بغض النظر عما ينتج عن العمل من نفع أو ضرر وبغض النظر عما إذا كان يوافق هوى الإنسان أو يخالفه. وبالتدقيق في واقع المقياس الإسلامي وسائر المقاييس الأخرى تجد أن المقياس الإسلامي هو وحده الصحيح وكل ما عداه باطل ، ذلك إن الإنسان لا يستطيع الحكم فعلاً على واقع الفعل من حيث كونه حسناً أو قبيحاً ، إذ لا يوجد في الفعل نفسه شيء يمكن العقل من الحكم عليه ، فليس في أي فعل شيء من ذاته يقع عليه الحس من الإنسان ليربطه بالمعلومات السابقة ويصدر عليه الحكم بالحسن أو القبيح أو غير ذلك ، فمثلاً لو قلنا هل القتل حسن أو قبيح من ناحية عقلية ، فإن العقل يحتاج للإجابة على هذا السؤال أن يحس أولاً بواقع القتل ولما كان واقع القتل غير خاضعاً للحواس، من هنا استحال الحكم على القتل عقلاً بالحسن أو القبح – إذ أن الحس شرط أساسي في العملية العقلية – وهذا بخلاف الأشياء فإنه يوجد في ذات الأشياء ما يستطيع الحس أن يدركه ، وبالتالي يستطيع العقل من خلال الحس ، أن يحكم على الشيء بالحسن والقبح ، فمثلاً لو سألنا إنساناً عن رأيه في الحنظل ، لأجاب فوراً : إنني لا أحبه لأنه مرّ، وهكذا في سائر الأشياء ومن هنا جاء الإسلام بحكم لكل الأفعال " وجعل الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي " بينما جاء الشرع بإباحة الأشياء – إلا قليلاً جداً منها – وجعل الأصل في الأشياء الإباحة ، فبينما لا يحل للمسلم أن يقوم بعمل إلا بعد معرفة الحكم الشرعي فيه ، أي معرفة أمر الله فيه بالتحليل أو التحريم – فإنه لا يطلب من المسلم أن يسأل عن حكم الأشياء، من حيث كونها حراماً أو حلالاً ، ويكفي المسلم أن يعرف المحرمات القليلة ، وبعد ذلك له أن يعتبر ما تبقى من الأشياء مباحة لا داعي للسؤال عن حكمها. وبما أنه ثبت أنه لا يمكن للإنسان أن يحكم على الأفعال من خلال الأفعال نفسها، كما في الأشياء ، لذا كان الحكم على الأفعال آتيـاً من اعتبارات خارجة عن الفعل ، ولذا فإن الناس يحكمون على الأفعال من خلال محبتهم وكراهتهم لها ، فيقدمون على الفعل الذي يحبون ، ويصفونه بالحسن ، ويحجمون عن الفعل المكروه، ويصفونه بالقبح ، أو يحكمون على الفعل من خلال منفعتهم الناتجة عن ذلك الفعل بأنه حسن لأنه نافع لهم ، ويحكمون على الفعل بأنه قبيح لأنه مضر بهم – وهذان المقياسان – المحبة والكره أو النفع والضرر – كما هو معلوم غير ثابتين ، فما ينفع بعض الناس يضر بعضهم الآخر ، وما يحبه بعض الناس يكرهه آخرون و " مصائب قوم عند قوم فوائد " وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تعدد المقاييس في المجتمع الواحد، بل في البيت الواحد مما يؤدي حتماً إلى النزاع، والشقاق والمشاكل ، وبالتالي إلى تعاسة الإنسان وشقائه وتفكك المجتمع لتفكك مقاييسه وقناعاته. وبناء" على هذا فإن المقياس الإسلامي ، هو المقياس الصحيح ، لأنه مقياس الخالق المطلق الذي لا يتطرق الخلل إلى أحكامه، وهو المقياس الذي ثبت للعقل أنه وحده الصالح لكل زمان ومكان. وبهذا نأتي إلى ختام باب المبـدأ الإسلامي " ونكون بانتهائه قد وصلنا إلى قناعة يقينية أن المبدأ الإسلامي هو المبـدأ الوحيد الذي بإمكاننا الاعتماد عليه من أجل الوصول إلى النهضة الصحيحة الكفيلة بإسعاد الإنسان، وتحقيق الطمأنينة له ، وإنهاض الأمة من الواقع المرير وهذا ما وصلنا إليه من خلال البحث المبنى على التفكير المستنير في واقع الإنسان والمجتمعات ، وواقع الأفكار والمبادئ ، وبالرغم من أن هذه النتيجة قطعية الثبوت قطعية الدلالة ، إلا أن هناك من الناس سوف يطرح تساؤلات حولها ، كقول بعضهم " صحيح أن مبدأكـم هو الأرقى وهو الصحيح بشهادة العقل والواقع ولكن لماذا لم تنجح الدولة التي أقمتموها سابقاً في تحقيق النهضة؟؟ ولماذا لم يطبق الإسلام التطبيق الصحيح ؟؟ بل بدأ التطبيق بالتراجع منذ وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم - أو منذ مقتل عمر بن الخطاب–رضي الله عنه- أو على أحسن الأحوال – بعد انتهاء عهد الخلفاء الراشدين ؟؟. تساؤلات كثيرة تثار حول مثل هذه القضايا ، بعضها بحسن نية وأكثرها بنية سيّـئة ، ومن هنا سيكون موضوع الباب الآتي متعلقاً بشكل الدولة الإسلامية ، وبيان ما يدل على أنها كانت موجودة بكافة خطوطها ، وذلك من اجل إزالة الشكوك ولإيجاد الوضوح الذي يمكّـن الإنسان من الحكم على واقع أي دولة سواء في الماضي ، أو الحاضر ، أو المستقبل ، ولا سيما وأن بعض الدول تسمي نفسها زوراً وبهتاناً بالإسلامية ، ولهذا ولغيره من الأهداف ... سيكون موضوع الباب القادم هو " الإسلام والتطبيق " .
| |
|