واقع العرب: قاتل ومقتول وبينهما خائن !!
د. فايز بن عبدالله الشهري
    "نحن نعيش في زمن التغيير الكاسح" We live in a time of sweeping change هذه العبارة وردت نصّاً في مقدّمة استراتيجيّة الأمن الوطني الأمريكيّة التي صدرت في شهر مايو 2010م. وتقرّر الاستراتيجيّة مبادئ الأمن القومي الأمريكي متنبئة بعصر جديد من الحريات وتسارع العولمة في العالم وبكثير من المشاكل المتوقعة. وبعد صدور هذه الاستراتيجيّة بأشهر بدأت إرهاصات القلاقل في أكثر من عاصمة عربيّة معلنة بدء مرحلة ما يسمى "الربيع العربي" الذي نعيش إشكالاته حتى اليوم.
وحتى يكتمل منظور المشهد العالمي لا يمكن لراصد إغفال حقيقة أن "روسيا بوتين" ظهرت لاعبا خشنا جديدا في المنطقة رامياً زجاجة الفودكا من يده ليستبدلها برائحة النفط الثمين التي أعاد له بعض الكبرياء المنثور. وبين عجرفة "الكاوبوي" وحماقة العلج الروسي تداخلت الملفات وتشجّعت ثعالب المنطقة للمشاغبة في ملاعب المعسكرين. بل حتى الأرانب الصغيرة في محيطنا العربي أخذت تحاكي زئير الأسود معجبة بذاتها ووظيفتها الموسميّة أمام المرايا المزيّفة.
وعلى نور ونار النفط والتناقضات أيضا رأينا كيف ظهرت "إيران" غانية فارسيّة تتراقص بين الأحضان الدوليّة لتلاعب عطشى النفط في أوروبا وتبعثر ملفات المذهب والتطرّف مع الأمريكيين على مسارح "الفوضى الخلاقة" وهي تغمز الدب الروسي بعينها. وهي في ذات الوقت تتحدّث باسم الإسلاميين من كل مذهب وملّة وتقدّم لهم الملاذ والقناع بيدها الشمال ثم تسلّم قوائم الأسماء باليمين لأصدقائها السريين ممن لا يتقنون سوى العبريّة والإنجليزيّة. لا تعجب حين تسمع "الملالي" يرفعون صوتهم نهارا جهارا بحقوق المسلمين في فلسطين ثم ينسلّون ليلا إلى مخادع الإسرائيليين مؤكدين أن ضمان أمنهم الأكيد هو في وجود (آية الله) بشّار و(نصر الله) حسن.
ولا تتعب في فهم كيف انطلقت حناجر المحبطين والمخدوعين وفلول البعث لتردد "شيلات" داعش" على "الوانيتات" المكشوفة لتحتل ثلث سورية التي لا يفصلها سوى مرمى "حجر" عن تركيا صاحبة سادس أكبر جيش في العالم والقوة الثانية في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد الولايات المتحدة. هل سألت نفسك كيف تتجرأ عناصر "داعش" على مناكفة هذا الجيش العثماني الهائل على حدود وطنه؟ وكيف تستعرض عناصر "داعش" غنائمها التركيّة آمنة مطمئنة وهي تفقأ (عين العرب) كوباني وتردّد الأهازيج وتبث "التغريدات" التويتريّة؟.
أما أحوال الموت المجاني والصراع في أراضي الحضارات (بلاد الرافدين واليمن السعيد) فحتى أعتى الحاسبات العملاقة لا يمكنها تحليل حالها ومآلها. لا تحاول أن تفهم كيف رضي الفرس والأمريكيون حكّام العراق الفعليون أن تسرح وتمرح "داعش" وعشرون تنظيما متطرفا باسم كل مذهب وقوميّة لتتحول معهم ارض الرافدين إلى بحار دم وكراهيّة. ولا تقل لي إنّك في اليمن السعيد تفهم أحوال أنصار الله أو أنصار الشريعة أو قاعدة اليمن فكلها عصائب من محترفي الموت والدمار تتسابق في منافسة عامة لقتل روح إنسان اليمن واستباحة أرضه. ولا تيأس وتصدق من يقول إن واقع العرب اليوم: قاتل أو مقتول وبينهما خائن.. حسبنا الله.
*مسارات
قال ومضى: عجباً لأمة تتزاحم على مفسري (الأحلام) .. وتحتقر من يبحث عمن يفسّر (واقعها).
لمراسلة الكاتب: falshehri@alriyadh.net