تمثال الحرية الذي ينتصب على مدخل نيويورك، في جزيرة ليبرتي آيلاند، الواقعة على الطرف الغربي ـ الجنوبي لمانهاتن هو رمز هذه العلاقة بين فرنسا والولايات المتحدة لأنه هدية قدمها الفرنسيون والباريسيون على وجه الخصوص الى الأمة الناشئة بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لاستقلالها. ورفع التمثال في موقعه الحالي يوم 28 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1886. وبعد ثلاثة أعوام وبمناسبة المئوية الأولى للثورة الفرنسية، أهدى النيويوركيون والأميركيون لفرنسا نسخة مصغرة عن تمثال الحرية وهو التمثال القائم على الطرف الغربي لجزيرة البجع في باريس.
بداية القصة
تبدأ القصة بنحات فرنسي عبقري هو فريدريك أوجست بارتولدي الذي جاءته أولا فكرة التمثال دون أن تكون أمريكا قد خطرت على باله، بل كانت فكرة إنسانية عامة تجسد الحرية والحضارة الإنسانية في شكل امرأة تحمل شعلة تنير بها جنبات الدنيا، وإن كان التصميم قد قصد به أن يطل التمثال على موقع ساحلي؛ لأن التاج الذي يعلو رأس المرأة له سبعة أسنة (تبدو كأنها سبعة أشعة)، ترمز للبحار السبعة التي تطل عليها قارات العالم.
عندما وضع بارتولدي تصميم تمثال الحرية، أخذه إلى الخديوي إسماعيل في مصر، في أعقاب افتتاح قناة السويس للملاحة (1869)، واقترح عليه أن ينصب على مدخل القناة ليكون رمزا لحرية الملاحة أمام العالم، وباعتبار أن التمثال يمثل مصر وهي تحمل شعلة الحرية.
ولما سئل الخديوي إسماعيل عن تكاليف بناء التمثال (كان حتى ذلك الحين مجرد تصميم على الورق) قدرها بارتولدي بستمائة ألف دولار، وهو ما اعتبره حاكم مصر مبلغا هائلا وضخما لا يقدر عليه بعد ما أنفقته مصر على حفر وافتتاح قناة السويس وما أمر هو أيضا بإنفاقه على تحديث مصر.. بصرف النظر عن الأولويات، وهو ما أوقع البلاد بعد ذلك في الديون كما هو معروف. وكان أن اعتذر إسماعيل لبارتولدي مقدرا له حبه لمصر وحماسته لتمجيد المكانة العالمية لقناة السويس.
صداقة فرنسية أمريكية.. "كانت" متينة!
كانت هناك في ذلك الوقت صداقة متينة تربط بين الشعبين الفرنسي والأمريكي، وكان هناك ما يبررها؛ لأن الفرنسيين وقفوا إلى جوار الأمريكيين في نضالهم ضد الإمبراطورية البريطانية -المنافس التقليدي للفرنسيين
كان من الطبيعي أن يفكر الفرنسيون في شيء كبير وله قيمة يشاركون به في مناسبة احتفال الأمريكيين بمرور مائة عام على استقلالهم، أي في عام 1876.
واجه تنفيذ المشروع عقبات كثيرة، كان من أهمها تمويل تكاليفه الضخمة، وكان الجانبان الفرنسي والأمريكي قد اتفقا على تقاسم التكاليف، بحيث يتحمل الفرنسيون نفقات بناء التمثال نفسه، على أن يتحمل الأمريكيون تكاليف إنشاء القاعدة، وهي لمن لا يعرف بناء ضخم ومكلف جدا أيضا.
ولجأ الجانبان لكل السبل الممكنة للتمويل، من تبرعات وضرائب وحملات دعائية وترويجية، ونجح الفرنسيون في تغطية ما يخصهم، واكتمل صنع التمثال في فرنسا في يوليو 1884، ولكن الأمريكيين هم الذين وقعوا في حيص بيص! وذلك لأن التمثال تم بالفعل شحنه إلى أمريكا بعد تفكيكه ووضع داخل 214 صندوقا تضم 350 قطعة ووصل إلى ميناء نيويورك في يونيو 1885 على متن الفرقاطة الفرنسية Isere؛ كل ذلك والقاعدة لم تكتمل!.
ولما لم يكن من الممكن عمليا إقامة التمثال دون القاعدة التي ستحمله، ولم يكن لدى الحكومة الأمريكية أموال كافية، فقد سارع الكاتب جوزيف بوليتزر لنشر افتتاحية في صحيفتهThe World جعل عنوانها "العار الوطني".. قال فيها إنه سيكون من العار على نيويورك والولايات المتحدة أن تقدم لها فرنسا هدية فتكون عاجزة عن إقامة قاعدة لها.
وكانت هذه الافتتاحية بداية حملة للاكتتاب الوطني العام لهذا الغرض، وتمكن بوليتزر خلال أربعة أسابيع فقط من جمع 25 ألف دولار، وكان يشجع المتبرعين بنشر أسمائهم في لوحة للشرف في جريدته كل هذا والتمثال قابع في الصناديق منذ وصوله- لما يقرب من عام كامل!
اكتمل التمويل الأمريكي لبناء القاعدة في أغسطس 1885، وتم وضع آخر حجر في القاعدة يوم 22 إبريل 1886، وهكذا لم يعد باقيا وقتها سوى الانخراط في العمل بهمة وجدية لإعادة تركيب التمثال ونصبه فوق قاعدته.
الرئيس الأمريكي: هنا بيت الحرية!
في احتفال مهيب وكبير أقيم في نيويورك في 28 أكتوبر 1886، وبحضور نخبة من كبار الشخصيات الفرنسية والأمريكية، قام الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، وهو الرئيس جروفر كليفلاند، بتدشين التمثال رسميا، وألقى كلمة أعلن فيها بالنيابة عن الشعب الأمريكي قبوله لهذه الهدية العظيمة المقدمة من الشعب الفرنسي الصديق، قائلا: "لن ننسى أن الحرية قد اتخذت لها بيتا هنا..."!
وعلى مدى سنوات القرن العشرينلم يرمم الا في عهد الرئيس رونالد ريجان فقد تمت عملية ترميم شاملة اكتملت في عام 1986 في مناسبة مئويته الأولى، وتكلف الترميم 87 مليون دولار.. أما في القرن الحادي والعشرين.. وبعد فاجعة الحادي عشر من سبتمبر 2001، فقد قررت السلطات الأمريكية إغلاق التمثال لأجل غير مسمى، بسبب المخاوف الأمنية، ولم تتم إعادة افتتاحه لزيارة السائحين إلا مؤخرا في عام 2004.
إحصائيات.. وأرقام.. وطرائف
- ارتفاع التمثال من الكعب للرأس 33.86 مترا.
- ارتفاعه من القاعدة حتى الشعلة 46.05 مترا.
- ارتفاعه من الأرض حتى أقصى طرف الشعلة 92.99 مترا.
- طول اليد 5 أمتار.
- طول الإصبع السبابة 2.44 متر.
- طول الرأس من الذقن إلى الجمجمة 5.26 أمتار.
- طول الأنف 1.37 متر.
- وزن النحاس في التمثال 31 طنا.
- وزن القاعدة الخرسانية 27 ألف طن.
- الوزن الإجمالي للصلب في التمثال بكامله 125 طنا.
- توجد تماثيل أخرى تحمل نفس الاسم "تمثال الحرية" في بلدان أخرى، منها فرنسا وإيطاليا ولاتفيا والهند وسان مارينو.
نريد الان ان نقول لامريكا ان اعيينا ضعيفة لا تقوى على الضوء الذى يبثه هذا التمثال
تمثال الحرية الذى ينثر اشعته على العالم كله من ظلم و ضغيان باسم الديمواقراطية
أطرف ما يمكن أن يختتم به هذا المقال عن تمثال الحرية هي تلك المقولة الساخرة واللاذعة لأديب بريطانيا الأشهر جورج برنارد شو: "إن تمثال الحرية موجود في الولايات المتحدة بالذات، ودون أي مكان آخر في العالم؛ لأن البشر عادة لا يقيمون التماثيل إلا للموتى!!".